02 نوفمبر، 2012

أهمية الإيمان باليوم الآخر وأسبابه

العقيدة - الإيمان باليوم الآخر - الدرس (1-9) : أهمية الإيمان باليوم الآخر وأسبابه
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
 
 
 
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لاعلم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا , وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً , وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً , وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

التعريف باليوم الآخر:
أيها الأخوة , أرجو الله أن أوفق لعرض سلسلة من الدروس عن اليوم الآخر. قبل يومين استوقفتني آية في كتاب الله ,وجدت فيها مفتاحاً لحل معظم مشكلاتنا، ألا وهي قول تعالى:
﴿وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ﴾
( سورة المؤمنون الآية: 74 )
هكذا الآية.
أركان الإيمان باليوم الآخر:
لو استعرضنا أركان الإيمان:
1. الإيمان بالله
2. الإيمان باليوم الآخر
3. الإيمان بالملائكة
4. الإيمان بالكتب
5. الإيمان بالرسل
6. الإيمان بالقدر خيره وشره من الله.
الترابط المتلازم بين الإيمان بالله واليوم الآخر وأثرهما على حياة المسلم:
هذه الأركان الستة هي أركان الإيمان, فما من ركنين تلازما في القرآن الكريم تلازما يثير الدهشة, كركني الإيمان بالله واليوم الآخر, لأن الإيمان بالله وحده لايحملك على طاعة الله, أما إذا آمنت أن الله موجود, ويعلم, وسيحاسب, فلا يمكن أن تعصيه.
حينما قال الله عز وجل:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا﴾
( سورة الطلاق الآية: 12 )
أن خلق السموات والأرض علته ؛ أي سببه، أن تعلموا.
﴿أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
( سورة الطلاق الآية:12)
العلاقة المتباينة بين اسم العليم واسم القدير:
اختار الله من كل أسمائه اسمين , اسم العليم , واسم القدير,علمه يطولك، وقدرته تطولك، وأنت والله الذي لا إله إلا هو، لو أيقنت أن إنساناً تحتقره , وهو أقوى منك فلا يمكن أن تعصيه، إذا كان هذا الإنسان قادراً على أن يضبط مخالفتك، وهو قادرٌ أيضاً أن يضعك في مكان صعب فلا يمكن أن تعصيه، ولا أنسى قول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يخاطب نفسه فيقول:
((يا نفس ,لو أن طبيباً حاذقاً حذرك من أكلة تحبينها لا شك أنكِ تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟))
الآن إنسان يقول له الطبيب: دع الملح، ومعلوم أنّ الطعام بلا ملح لا يؤكل ، فإنّه يدع الملح.
(( لو أن طبيباً حاذقاً حذّركِ من أكلة تحبينها لا شك أنكِ تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ إذاً ما أكفرك ! أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً ما أجهلك!))
العقوبات الإلهية التي تنال المسلم من فقر وقهر بسبب ارتكابه المعاصي والآثام:
إذاً ما من إنسانٍ يعصي الله عز وجل إلا وهو مدموغ بالكفر والجهل، والذي يحير أيها الأخوة, أن العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، يعلم من دروس العلم، أو من خلال خطب الجمعة، أو من خلال مادة التربية الإسلامية التي تلقاها في المدارس،
أو من خلال فطرته, أن السرقة حرام, والكذب حرام, والاحتيال حرام, والعدوان على الأعراض
حرام , وما هذا الذي نلقاه من الله عز وجل من تأديب, بعضه تأديب تقنين,وبعضه تأديب قهر وبعضه تأديب فقر ,إلا بسبب هذه المعاصي والآثام.

أين الخلل؟
هناك مساجد أنشئت , والذي أنشئ في هذه السنوات الأخيرة من ا لمساجد , لم ينشأ مثله في خمسمئة عام سابقة. هناك مصاحف لها طبعات تأخذ بالألباب , هناك مكتبة إسلامية رائعة
جدﴽ, هناك مكتبة صوتية , مكتبة مرئية , مؤتمرات , مساجد عملاقة , ومع ذلك الناس منحرفون
أشد الانحراف , يأكلون أموا لهم بينهم بالباطل , يعتدون على أعراض بعضهم بعضا , والذي استوقفني في هذه الآية البارحة في صلاة الفجر معناها الدقيق:
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُون﴾
(سورة المؤمنون الآية:74)
الإيمان باليوم الآخر:
لذلك أردت بتوفيق الله عز وجل أن أجعل سلسلة من الدروس حول الإيمان باليوم الآخر إذا آمنت باليوم الآخر، آمنت أنه لا بد أن تقف بين يدي الله عز وجل، لتُسأَل عن أي شيء فعلته، لمَ فعلته ؟ عن أي شيء لم تفعله لمَ لمْ تفعله ؟ عن أي طلاق تعسفي، عن أي زواج لا يرضي الله عز وجل، عن أيّ علاقة مشبوهة ,عن أي عطاء لغير الله، عن أي منع لغير الله، عن أي رضاً لغير الله، عن أي غضبٍ لغير الله.
حينما تعلم أن الله سيسأل، وسيحا سب، وسيعاقب، حينئذٍ لا بد أن تستقيم على أمر الله، لعل محور هذه الدروس كلها هو الإيمان باليوم الآخر.
عقيدة أهل الكفر:
أيها الأخوة الكرام , أعرض لكم عقيدة أهل الكفر, مبيناﹰماذا يعتقد هؤلاء في كتاب الله؟.
﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين*﴾
( سورة المؤمنون الآية:35-37)
هذه عقيدة أهل الكفر، سواءً صرحوا بها أو لم يصرحوا، أعلنوها أو لم يعلنوها، الكافر يعتقد أن هذه الحياة الدنيا هي كل شيء، فمن كان بها غنياً كان بها سعيداً، ومن كان فيها فقيراً كان فيها شقياً، من كان فيها قوياً أخذ ما له وما ليس له، ومن كان فيها ضعيفاً أُخذ مما في يديه، هكذا لا يجرؤ مسلم أن يقول هذا الكلام.
لكن إذا دققت في أعمال المسلمين تجد أعمالهم تنطق بهذه العقيدة، فهو لا يرى إلا الدنيا، ولا يرى إلا المال، ولا يرى إلا المادة، ولا يرى إلا العز، لذلك إذا دعي من فقير ضعيف لا يلبي الدعوة، ويدَّعي أنّ وقته مزدحم، أما إنْ دعاه غني أو قوي يكن أول الحاضرين. يقول الله تعالى في كتابه العزيز مبيناﹰ عقيدة أهل الكفر:
﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِين*﴾
( سورة المؤمنون الآية:35-37)
فإن جعلت الدنيا أكبر همك، ومبلغ علمك، ومنتهى أملك، همك الأول الدرهم والدينار، والعلو في الأرض، فأنت مما يعتقد هذا، ولو لم تنطق به.
العبرة بالمعاني لابالألفاظ:
العبرة أيها الأخوة , الفعل الذي ينطلق من قناعة ومن رؤية، فلا قيمة للفظ إلا بالمعنى في هذا العصراختلطت المفاهيم قد تعبر عن أسوأ النوايا بأحلى الألفاظ، قد يكون بينك وبين إنسان عداوة عميقة، فتبتسم له، وتبش في وجهه، وتثني عليه، هكذا طبيعة العصر , طبيعة
أساسها النفاق، أساسها الازدواجية. موقف معلن، وموقف مبطن، شيء ظاهر، وشيء باطن، والعجيب أن سلوك بعض المسلمين ينطلق من هذه العقيدة، الدنيا هي كل شيء، رد الله على هذه العقيدة فقال:
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾
( سورة القيامة الآية: 36 )
الاستشهاد بأمثلة لتوضيح المعنى:
مثلاً جامعة كلَّفتْ عند إنشائها الملايين من الليرات مخابر , وقاعات تدريس، وبيوت طلبة، وحدائق، وملاعب، وقاعات محاضرات، ومكتبة ضخمة، فهل مِن المعقول ألاّ يكون في آخر العام امتحان ؟ أو يكون كل واحد دخل إلى هذه الجامعة متنزهاً ينال الشهادة من دون دراسة,يقول الله تعالى:
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾
( سورة القيامة الآية:36)
تذكير البيان الإلهي الإنسان في أيامه الأولى بأنه كان نطفة لكي يعود إلى رشده:
هكذا.
﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾
( سورة القيامة الآية: 37 )
أنت مكوَّن من حوين، من خمسمئة مليون حوين، قذَفها الرجل، واختارت البويضة حويناً واحداً، دخل إليها، ولقحها، وانقسمت، ثم أصبحت إنساناً بعد تسعة أشهر وعشرة أيام، هذا الذي خلق الإنسان من حوين، من ماء مهين، تستحي به لو كان على ثيابك.
خرجت من عورة , ودخلت إلى عورة، ثم خرجت من عورة، ثلاث مرات، مرة خرجت، ثم دخلت، ثم خرجت، ثلاث عورات يستحي أشد الناس وقاحة أن يظهر عورته, وهذا معنى الآية يقول الله تعالى:
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى* أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى*﴾
( سورة القيامة الآية: 36 ـ 40 )
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

علم ينتفع به: #بحر_الحمد_والامتنان - التمرين الثاني

علم ينتفع به: #بحر_الحمد_والامتنان - التمرين الثاني :  #بحر_الحمد_والامتنان - التمرين الثاني في برنامج بحر الحمد والامتنان سوف نحاول أن نعيش...