20 مايو، 2012

تأملات قرآنية قال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن "



تأملات قرآنية قال تعالى " أفلا يتدبرون القرآن "

يقول تبارك وتعالى ( افلا يتدبرون القرآن )
يقول الامام العالم ابن القيم رحمه الله :" لنقرأه تدبرا ونتأمله تبصرا ونسعد به تذكرا ونحمله
على أحسن وجوهه ومعانيه ونصدق به ونجتهد على إقامة أوامره ونواهيه

ونجتني ثمار علومه النافعة الموصلة إلى الله سبحانه من أشجاره ورياحين الحكم

 من بين رياضه وأزهاره فهو كتابه الدال عليه لمن أراد معرفته وطريقه الموصلة

لسالكها إليه ونوره المبين الذي أشرقت له الظلمات ورحمته المهداة

التي بها صلاح جميع المخلوقات والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت

 الأسباب وبابه الأعظم الذي منه الدخول فلا يغلق إذا غلقت الأبواب وهو الصراط المستقيم

 الذي لاتميل به الآراء والذكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء والنزل الكريم الذي

 لا يشبع منه العلماء لا تفنى عجائبه ولا تقلع سحائبه ولا تنقضي آياته ولا تختلف

دلالاته كلما ازدادت البصائر فيه تأملا وتفكيرا زادها هداية وتبصيرا وكلما بجست معينه

 فجر لها ينابيع الحكمة تفجيرا فهو نور البصائر من عماها وشفاء الصدور
 من أدوائها وجواها وحياة القلوب ولذة النفوس ورياض القلوب وحادي الأرواح

 إلى بلاد الأفراح والمنادي بالمساء والصباح ياأهل الفلاح حي على الفلاح

نادى منادى الإيمان على رأس الصراط المستقيم

قال تعالى (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم
من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم)


أسمع والله لو صادف آذانا واعية وبصر لو صادف قلوبا من الفساد خالية،

لكن عصفت على القلوب هذه الأهواء فأطفأت مصابيحها وتمكنت منها آراء

الرجال فأغلقت أبوابها وأضاعت مفاتيحها وران عليها كسبها فلم تجد حقائق القرآن

 إليها منفذا وتحكمت فيها أسقام الجهل فلم تنتفع معها بصالح العمل .

واعجبا لها كيف جعلت غذاءها من هذه الأراء التي لا تسمن ولا تغني من جوع
ولم تقبل الإغتذاء بكلام رب العالمين ونصوص حديث نبيه المرفوع أم كيف اهتدت
في ظلم الآراء إلى التمييز بين الخطإ والصواب وخفى عليها ذلك في

 مطالع الأنوار من السنة والكتاب


واعجبا كيف ميزت بين صحيح الآراء وسقيمها ومقبولها ومردودها وراجحها ومرجوحها
وأقرت على أنفسها بالعجز عن تلقى الهدى والعلم من كلام من كلامه

لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو الكفيل بإيضاح الحق

مع غاية البيان وكلام من أوتي جوامع الكلم
واستولى كلامه على الأقصى من البيان.

كلا بل هي والله فتنة أعمت القلوب عن مواقع رشدها وحيرت العقول
عن طرائق قصدها يربى فيها الصغير ويهرم فيها الكبير

وظنت خفافيش البصائر أنها الغاية التي يتسابق إليها المتسابقون والنهاية
التي تنافس فيها المنافسون وتزاحموا عليها وهيهات أين السهى من شمس الضحى
وأين الثرى من كواكب الجوزاء وأين الكلام الذي لم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم
من النقل المصدق عن القائل المعصوم وأين الأقوال التي أعلا درجاتها
أن تكون سائغة الإتباع من النصوص الواجب على كل مسلم تقديمها وتحكيمها
والتحاكم إليها في محل النزاع وأين الآراء التي نهى قائلها

عن تقليده فيها وحذر من النصوص التي فرض على كل عبد أن يهتدي بها

ويتبصر وأين المذاهب التي إذا مات أربها فهي من جملة الأموات

 من النصوص التي لا تزول إذا زالت الأرض والسموات .

سبحان الله ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس العلم

من مشكاته من كنوز الذخائر وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة

البصائر قنعوا بأقوال استنبطتها معاول الآراء فكرا وتقطعوا أمرهم بينهم

 لأجلها زبرا وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا
فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا.


   درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها ودثرت معاهده

عندهم فليسوا يعمرونها ووقعت ألويته وأعلامه من أيديهم فليسوا

 يرفعونها وأفلت كواكبه النيرة من آفاق نفوسهم فلذلك لا يحبونها

 وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وعقدها فليسوا يبصرونها

ويقول ايضا :

وبعد فلما كان كمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع والعمل الصالح

وهما الهدى ودين الحق وبتكميله لغيره في هذين الأمرين كما قال تعالى



( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات

 وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) سورة العصر

 أقسم سبحانه أن كل أحد خاسر إلا من كمل قوته العلمية بالإيمان

وقوته العملية بالعمل الصالح وكمل غيره بالتوصية بالحق
والصبر عليه فالحق هو الإيمان والعمل ولا يتمان إلا بالصبر

عليهما والتواصي بهما كان حقيقا بالإنسان أن ينفق ساعات عمره

 بل أنفاسه فيما ينال به المطالب العالية ويخلص به من الخسران المبين

 وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره واستخراج كنوزه وإثارة دفائنه

 وصرف العناية إليه والعكوف بالهمة عليه فإنه الكفيل بمصالح العباد في المعاش

والمعاد والموصل لهم إلى سبيل الرشاد فالحقيقة والطريقة والأذواق والمواجيد الصحيحة

كلها لا تقتبس إلا من مشكاته ولا تستثمر إلا من شجراته
انتهى كلامه رحمه الله ..
فسبحان الله كيف لا نستطيع تذوق الشهد الذي ذاقوه  من التدبر والتأمل في كتاب الله؟
وكيف اصبحت بيننا فجوة وبين كتاب الله تجعلنا لا نستطيع فهم آياته وتدبر معانيه بالرغم من أنه باللغة العربية؟
والله إنها لنعمة كبيرة أن يصل الانسان الى مرتبة أن يعيش مع كلام الله ويستلذ بخطابه ويفهم مقصوده
ومعانيه ولكن للوصول لتلك المرحلة لابد من عمل وصبر وجهد ومجاهدة
حتى تصل لتلك الثمار اليانعه ووالله إنها ليسيره لمن يسره الله له والله سبحانه وتعالى
وعد من جد وجاهد نفسه للوصول الى مرضاة الله وطريقه المستقيم أن ييسر له الأمر
بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) سورة العنكبوت
ويقول تعالى ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ
 وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) سورة النساء
ويقول ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
 بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) سورة المائدة
ويقول تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
 فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ
وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) سورة يونس
ولكن للوصول لهذه الثمار لابد من قرار تتخذه بملئ ارادتك وتسعى إليه بكل جورحك
لأن الله تعالى يقول ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11) سورة الرعد

فاستعن بالله وتوكل على الله وهناك سبل وطرق معينة للوصول الى هذه الثمرة وهي :


من وسائل وطرق تدبر القرآن الكريم:ـ

حب القرآن
.. من المعلوم أن القلب إذا أحب شيئاً تعلق به،واشتاق إليه،وشغف به


،وانقطع عما سواه ، والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته،واجتمع على فهمه ووعيه

 فيحصل بذلك التدبر المكين،والفهم العميق،وبالعكس إذا لم يوجد الحب فإن اقبال القلب

على القرآن يكون صعباً،وانقياده إليه يكون شاقاً لايحصل إلا بالمجاهدة ومغالبة،

وعليه فتحصيل حب القرآن من أنفع الأسباب لحصول أقوى وأعلى مستويات التدبر.

وخير الأسباب وأنفعها لحب القرآن...هو القراءة عن عظمة القرآن مما ورد في القرآن والسنة

  وأقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم له.

وينبغي أن نعلم أن عدم حبنا للقرآن ، ودم تعظيمنا له سببه الجهل بقيمته،

 فمن لايعرف قيمة القرآن يزهد فيه ويهجره ويشتغل بما هو أدنى منه.

ومما يعين على التدبر.. حضور القلب
قال العلامة ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ  : " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه

وألق سمعك ، واحضر حضور من يخاطبه من تكلم به سبحانه منه إليه،

فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم

 قال الله تعالى: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} ص (37)

وذلك أن تمام التأثر لما كان موقوفاً على مؤثر مقتضٍ، ومحل قابل ،

وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه، تضمنت الآية

بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدلة على المراد.

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه  :اقرؤوا القرآن ، ولاتنثروه نثر الدقل،

 ولاتهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، حركوا به القلوب ، لايكن هم أحدكم آخر السورة.

ومما يعين على التدبر...ترتيل القرآن العظيم والجهر به

قال الله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا}

،قال ابن كثير"أي أقرأه على تمهل فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره"،

وعن أم المؤمنين أم سلمة tا ، أنها نعتت قراءة النبيr فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً.

والترتيل يعني الترسل والتمهل، ومن ذلك مراعاة المقاطع والمبادئ وتمام المعنى،

بحيث يكون القاريء متفكراً فيما يقرآ،فمن أسرع القراءة فقد اقتصر على مقصد واحد

 من مقاصد قراءة القرآن وهو :ثواب القراءة ، ومن رتل وتأمل فقد حقق المقاصد كلها

وكمل انتفاعه بالقرآن ، واتبع هدي النبيr وصحابته الكرام .
كما أن الجهر بالقرآن مما يعين على التدبر ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه

أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ماأذن الله لشئ ماأذن لنبي حسن الصوت بجهر القرآن)).

وسئل ابن عباس yا عن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة

بالليل:فقال (كان يقرآ في حجرته قراءة لو أراد حافظ أن يحفظها لفعل)).

وعن ابن أبي ليلى رحمه الله قال (إذا قرأت فاسمع أذنيك فإن القلب عدل بين اللسان والأذن)).

ومن فوائد الجهر بالقراءة.. تطهير للبيت وتعطير له وجعله بيئة صالحة للتربية

 والتعليم وكما قال أبو هريرة رضي الله عنه (إن بيتاً يكثر فيه الجهر بالقرآن هو بيت

 كثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين والبيت الذي لايتلى فيه كتاب الله

 ضاق بأهله وقل خيره وحضرته الشياطين وخرجت منه الملائكة)).

ومما يعين على التدبر:ترديد الآية،أو الآيات المقروءة..

فعن أبي ذررضي الله عنه قال:قام النبي صلى الله عليه وسلمبآية حتى أصبح يرددها ،

 الآية{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}

والهدف من التكرار هو التوقف لاستحضار المعاني وكلما كثر التكرار كلما زادت المعاني

 التي تفهم من النص والتكرار أيضاً قد يحصل لا إرادياً تعظيماً أو إعجاباً بما قرأ.

قال ابن مسعود رضي الله عنه(لاتهذوه هذ الشعر،ولاتنثروه نثر الدقل،

قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولايكن هم أحدكم آخر السورة)).

ومما يعين على التدبر..إذا مر بآية فيها تسبيح سبح،وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من أمتثل ماجاء في الكتاب العزيز ،

وهو القدوة لنا،والأسوة التي يجب علينا التمسك بهديه. قال تعالى:{لقد كان لكم في

 رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} فعن حذيفة t قال

(صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فافتتح البقرة ، فقلت يركع عند المائة ،ثم

مضى،فقلت:يصلي بها في الركعة،فمضى،فقلت:يركع بها،ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران

  فقرأها،يقرأ مترسلاً، فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ)).

وقد أثنى الله ورسوله على من يقرأ القرآن ويفقه معانيه ويعمل بما جاء فيه ،

قال الله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد*

الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدىهم الله أولئك هم أولوا الألباب}

وعن ابن عباسyا في قول الله تعالى:{ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً}

قال:يعني الفهم في القرآن.

وعن ابراهيم بن الاشعث،قال:سمعت الفضيل بن عياض يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة(محمد)وهو يبكي،

 ويردد هذه الآية {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}

 وجعل يقول:وتبلوا أخبارنا! ويردد:وتبلوا أخبارنا! إن بلوت أخبارنا فضحتنا،

 وهتكت أستارنا، إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا. ويبكي رحمه الله

ومما يعين على التدبر والتفكر في الكتاب العزيز.. كثرة الاستماع للقرآن لكريم والإنصات حال قراءته..

ليست هناك تعليقات:

علم ينتفع به: #بحر_الحمد_والامتنان - التمرين الثاني

علم ينتفع به: #بحر_الحمد_والامتنان - التمرين الثاني :  #بحر_الحمد_والامتنان - التمرين الثاني في برنامج بحر الحمد والامتنان سوف نحاول أن نعيش...